سورة يس - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


هذه مخاطبة في أمر قريش وإعراضهم عن الشرع وعبادتهم الأصنام فنبههم تعالى على الألوهية، بما لا يحصى من الأدلة كثرة وبياناً، فنبه بهذه الآية على إنعامه عليهم ببهيمة الأنعام، وقوله تعالى {أيدينا} عبارة عن القدرة عبر عنها بيد وبيدين وبأيد، وذلك من حيث كان البشر إنما يقيمون القدرة والبطش باليد، فعبر لهم عن القدرة بالجهة التي قربت في أفهامهم، والله تعالى منزه عن الجارحة والتشبيه كله، وقوله {فهم لها مالكون} تنبيه على أن النعمة في أن هذه الأنعام ليست بعاتية ولا متبورة، بل تقتنى وتقرب منافعها، {وذللناها} معناه سخرناها ذليلة، والركوب والمركوب، وهذا فعول بمعنى مفعول وليس إلا في ألفاظ محصورة كالركوب والحلوب والقروع، وقرأ الجمهور {رَكوبهم} بفتح الراء، وقرأ الحسن والأعمش {رُكوبهم} بضم الراء، وقرأ أبي بن كعب وعائشة {ركوبتهم}، والمنافع إشارة إلى الأصواف والأوبار وغير ذلك، والمشارب الألباب، ثم عنفهم في اتخاذ آلهة طلب الاستنصار بها والتعاضد، ثم أخبر أنهم {لا يستطيعون} نصراً ويحتمل أن يكون الضمير في {يستطيعون} للكفار في نصرهم الأصنام، ويحتمل الأمر عكس ذلك لأن الوجهين صحيحان في المعنى، كذلك قوله {وهم لهم جند محضرون} يحتمل أن يكون الضمير الأول للكفار والثاني للأصنام على معنى وهؤلاء الكفار، متجندون متحزبون لهذه الأصنام في الدنيا لكنهم لا يستطعيون التناصر مع ذلك، ويحتمل أن يكون الضمير الأول للأصنام والثاني للكفار أي يحضرون لهم في الآخرة عند الحساب على معنى التوبيخ والنقمة، وسماهم جنداً في هذا التأويل إذ هم عدة للنقمة منهم وتوبيخهم، وجرت ضمائر الأصنام في هذه الآية مجرى من يعقل إذ نزلت في عبادتها منزل ذي عقل فعملت في العبارة بذلك، ثم أنس تعالى نبيه، بقوله {فلا يحزنك قولهم} وتوعد الكفار بقوله {إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون}.


هذه الآية قال فيها ابن جبير: إنها نزلت بسبب أن المعاصي بن وائل السهمي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم ففته وقال: يا محمد من يحيي هذا؟ وقال مجاهد وقتادة: إن الذي جاء بالعظم النخر أمية بن خلف، وقاله الحسن ذكره الرماني، وقال ابن عباس: الجائي بالعظم هو عبد الله بن أبي ابن سلول.
قال القاضي أبو محمد: وهو وهم ممن نسبه إلى ابن عباس لأن السورة والآية مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يجاهر قط هذه المجاهرة، واسم أبي هو الذي خلط على الرواة، لأن الصحيح هو ما رواه ابن وهب عن مالك، وقاله ابن إسحاق وغيره، من أن أبي بن خلف أخا أمية بن خلف هو الذي جاء بالعظم الرميم بمكة ففته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وحياله، وقال من يحيى هذا يا محمد؟ ولأبي مع النبي صلى الله عليه وسلم مقامات ومقالات إلى أن قتله يوم أحد بيده بالحربة بجرح في عنقه، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي حين فت العظم «الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم» ثم نزلت الآية مبينة ومقيمة للحجة في أن الإنسان نطفة ثم يكون بعد ذلك خصيماً مبيناً هل هذا إلا إحياء بعد موت وعدم حياة، وقوله {ونسي} يحتمل أن يكون نسيان الذهول ويحتمل أن يكون نسيان الترك، والرميم البالي المتفتت، وهو الرفات ثم دلهم تعالى على الاعتبار بالنشأة الأولى، ثم عقب ذلك تعالى بدليل ثالث في إيجاد النار في العود الأخضر المرتوي ماء، وهذا هو زناد العرب والنار موجودة في كل عود غير أنها في المتخلخل المفتوح المسام أوجد، وكذلك هو المرخ والعفار، وأعاد الضمير على الشجر مذكراً من حيث راعى اللفظ فجاء كالتمر والحصا وغيره.


هذا تقرير وتوقيف على أمر تدل صحته على صحة بعث الأجساد من القبور وإعادة الموتى وجمع الضمير جمع من يعقل في قوله {مثلهم} من حيث كانتا متضمنتين من يعقل من الملائكة والثقلين، هذا تأويل جماعة من المفسرين، وقال الرماني وغيره: الضمير في مثلهم عائد على الناس.
قال القاضي أبو محمد: فهم مثال للبعث، وتكون الآية نظير قوله تعالى: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} [غافر: 57] وقرأ سلام أبو المنذر وابن أبي إسحاق ويعقوب والأعرج {والأرض يقدر} على يفعل مستقبلاً، وقرأ جمهور {بقادر}، وقرأ جمهور الناس {الخلاق}، وقرأ الحسن {الخالق} ورفع يكونُ على معنى فهو يكون، وهي قراءة الجمهور وقرأ ابن عامر والكسائي {فيكونَ} بالنصب، قال أبو علي: لا ينصب الكسائي إذا لم تتقدم أن وينصب ابن عامر وإن لم تتقدم أن، والنصب هاهنا قراءة ابن محيصن وقول تعالى: {كن} أمر للشيء المخترع عند تعلق القدرة به لا قبل ذلك ولا بعده، وإنما يؤمر تأكيداً للقدرة وإشارة بها، وهذا أمر دون حروف ولا أصوات بل من كلامه القائم بذاته لا رب سواه، ثم نزه تعالى نفسه تنزيهاً عاماً مطلقاً، وقرأ جمهور الناس {ملكوت}، وقرأ طلحة التيمي والأعمش {ملَكه} بفتح اللام ومعناه ضبط كل شيء والقدرة عليه، وباقي الآية بين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6